قصص النرجسي
جميــع المقــــالات

الـرئيسيــــــــة
تواصل معنا
مــن نحــــــــن
تطوع للتوعية بالنرجسية
نموذج طلب تطوع

قصص النرجسي
جميــع المقــــالات

الـرئيسيــــــــة
تواصل معنا
مــن نحــــــــن
تطوع للتوعية بالنرجسية
نموذج طلب تطوع

منصة نرجسي - صورة الملف الشخصي ل

نيما محمد

قصتــي
الأضــرار
وضعي الحالي

كيف سرق أخي النرجسي سنين عمري؟

توفي والدي وأنا في الثانية عشر من عمري. عشت فترة مراهقتي مع أمي، وتحت رعاية أخي الذي يكبرني بخمس سنوات. كانت فترة مراهقتي جيدة إلى حدٍ ما. مع أن الظروف العائلية لم تكن مشجعة، إلا أن وجود أمي بجانبي هون علىّ الكثير. لكن القدر لم يمهلنا طويلًا، فتوفيت بمرض القلب، وأنا في عمر الثامنة عشر، لتتركني مع أخي النرجسي الذي أحكم سيطرته عليّ، وأضاع عمري.

بعد رحيل أمي، وجدت نفسي مضطرة للانتقال للعيش مع أخي في منزل ورثناه عن والدنا. كان المنزل يتكون من ثلاثة طوابق، وقد قرر أخي تخصيص طابق كامل له ولزوجته، وعرض الطوابق الأخرى للإيجار. في البداية، توقعت أن يوفر لي شقة خاصة بي بحكم أنه يعيش مع زوجته. لكنني فوجئت برفضه لفكرة أن أسكن في شقة منفصلة، وأصر عليّ أن أسكن معه بدلاً من أن أشغل شقة كاملة لنفسي. شعرت حينها بغصة تملأ صدري، لكنني لم أعترض، ووافقت على اقتراحه رغبةً مني في الاستفادة من عائدات الإيجار لتغطية مصاريفي الجامعية.

كان أول قرار اتخذه أخي بعد ذلك هو منعي من الدراسة دون أي مبرر. مع أن الظروف كانت مهيئة لي تماماً. حاولت بكل الطرق إقناعه بالتراجع عن قراره، حتى أنني لجأت إلى زوجته، وطلبت من خالي أن يتحدث معه، ويا ليتني لم أطلب. فقد تحول أخي إلى وحش هائج بعد أن تحدث إليه خالي. لم يتقبل أن يعرف أحد عن سلبياته، فهو يظهر نفسه للجميع على أنه رجل متعقل ومثقف وصاحب كاريزما. وعندما انتقده خالي، لم يستطع السيطرة على غضبه، فهاجمني وانتزع الهاتف من يدي، ثم هشمه على رأسي. ليس لأنني فعلت شيئاً يستدعي كل ذلك العنف، ولكن بحجة أنني أطلعت الغرباء عن أمور خاصة. أصبح خالي من الغرباء في نظره.

حجته كانت بسيطة: أنا أخته الوحيدة، ولن يسمح لأي شخص باستغلالي. قال لي عبارته الشهيرة: "أنا أعرف مصلحتك أكثر منك". في ذلك الوقت، صدقت كلماته، واعتبرت نفسي محظوظة بوجود أخ يحميني. الآن أتذكر وأضحك على سذاجتي، وعلى تلك الحجة السخيفة التي بدت منطقية، وعلى سرعة نسياني للألم الذي سببه لي في رأسي. لكنني في الوقت نفسه، أبكي حتى تجف دموع على منعي من الدراسة، فقط لأنها كانت رغبته. والمفارقة هي أنه جاء بعد ذلك بيوم واحد لِيعتذر وكأنه لم يفعل شيئًا. بل أنه حملني المسؤولية لأنني اطلعت "الغرباء" على أسرار العائلة.

كان هذا الموقف نقطة التحول التي أظهرته على حقيقته في نظري. شخص نرجسي يعيش بوجهين. وجه يستعرض به أمام الناس ليتباهى بممتلكاته وإنجازاته وحياته المثالية. والآخر يظهره عندما يتعرض للإهانة أو التحدي. في كثير من الأحيان كان يعود إلى المنزل وكأنه مسعور. لا يتوقف عن الصراخ والسب والشتم واتهامنا بأننا لا نقدر تعبه. كان يكرس كل وقته لانتقادنا وإهانتنا، ولا يرضى عنا مهما قدمنا له. وفي المقابل، كان يؤدي دور الملاك أمام أصدقائه. يغرقهم بالهدايا والأموال، ويقدم لهم الخدمات والتسهيلات. يستضيفهم على الغداء في المنزل دائماً، وفي كل مرة نشعر، وكأننا نخوض معركة من شدة توتره وحرصه على الظهور بصورة جيدة أمامهم. كان يشتكي من هموم الدنيا أمامنا، وعندما يكون برفقة أصدقائه، لا نسمع سوى الضحكات والتباهي والتفاخر.

حرمني أخي حقي في الميراث، متذرعًا بأنه يستثمره لمصلحتي. لم يوفر لي أي مصروفات، زاعمًا أنني لا أحتاج إليها. منعني من إكمال دراستي، خوفًا على استغلالي كما ادعى. حتى شقتي الخاصة منعني من العيش فيها، بحجة أنني سأكون بمفردي. لم يسمح لي بالزواج إلا بعدما تجاوزت سن التاسعة والعشرين، متذرعًا بعدم قدرته على الاستغناء عني، وبأنني أذكره بوالدتي. كان يقدم نفسه للجميع على أنه الأب الحنون والأخ المسؤول، بينما في الحقيقة كان يجبرني على العيش بالطريقة التي يريدها، ويسيطر على حياتي بكل تفاصيلها. لم أستطع التحدث إلى أحد عما أتعرض له، خوفًا من ردة فعله. ربما كان سيهشم رأسي هذه المرة بدلاً من الهاتف.

في المقابل، منح نفسه كل الأشياء التي حرمني إياها. استخدم أموال والدي لصالحه، وسجل جميع الممتلكات باسمه. كان مهووساً بشراء الأشياء الفاخرة والسفر وحضور المناسبات والاستعراض بمستواه المعيشي. أكمل دراسته وحصل على شهادته الجامعية. تزوج ثلاثة زيجات، وخصص كل دور في المنزل لواحدة منهن. لن أدعي أنني كنت أشاهد كل هذا، وأشعر بالظلم حينها. بالعكس تماماً، كنت سعيدة من أجله، وأراه سنداً لي. كنت أعتقد إن من واجبي التضحية من أجله لأن مصيرنا واحد. لا سيما أنه لم يتوقف يوماً في منح الوعود بأن يحقق لي كل أحلامي. لكن مع الأسف، ذهبت السنين، وأخذت الوعود معها.

أكثر الأشياء التي تؤلمني، هو اعتقاده الراسخ بأنه لم يفعل شيئاً خاطئاً. عرفت ذلك عندما رفضت اقتراحه بالزواج من رجل يكبرني ب ١٢ عاماً لأكون زوجته الثانية. كالعادة كان يصرخ في وجهي، وكأني ارتكبت جريمة لا تغتفر. إذ كيف لي أن أسبب له الإحراج أمام الرجل، وماذا سيقول عنه الناس؟ وكيف لي أن أرفض، وأنا كبيرة بالسن؟ نسي أخي أنه رفض ثلاثة أشخاص تقدموا لخطبتي، والآن يريد إجباري على الزواج لإنقاذ ماء وجهه أمام الناس. لم أستطع تمالك نفسي، وكانت تلك أول مرة أعترض فيها.

عندما أَدركَ أخي أنني كنت حازمة في قراري، انفجر بالبكاء. لم أتوقع أن ينهار بتلك الطريقة. أخي الرجل القوي وصاحب الكاريزما الذي لا يهتز، يبكي أمامي كطفل صغير! لماذا؟ لأنه أعطى الرجل الموافقة على زواجي، وأصبح الآن في موقف محرج، بسبب رفضي؛ يبكي لأن صورته ستهتز أمام الناس، ولم يكترث لمصيري أو لمشاعري. لم يكن رفضي، بسبب أن الرجل يكبرني أو أنه متزوج، بل لأنني رأيت أخاً جباناً وأنانياً تخلى عني، ولم يتردد في التضحية بي من أجل مصلحته. أعترف أنني تأثرت في البداية، وتمنيت الموت لأنني تسببت له بالبكاء، لكن أنانيته جعلت موقفي من الزواج أكثر صلابة.

لم يترك أخي وسيلة حينها إلا واستخدمها لحملي على الزواج. هددني، وحاول إغرائي بالأموال. حتى إنَّه عرض إعطائي حصتي من الورث. لجأ إلى أقاربي وأصدقائي الذين لطالما انتقدهم وتذمر منهم. كل الأشياء التي حرمني منها أصبحت متاحة الآن. حقوقي، أصدقائي، رفاهيتي، وحتى إطلاع الغرباء بأسرار العائلة لم يعد محرماً. كل ما يهم هو تحقيق أهدافه مهما كان الثمن.

بعد مرور قرابة شهر، عشت فيه أتعس أيام حياتي، وافقت مضطرةً على الزواج. فقد وجه تركيزه عليَّ، وبدأ يعاملني وكأنني أحد أعدائه. لم تشفع لي تضحياتي، ولا مواقفي. كان يحدثني عن الحياة الجميلة التي ستحدث لي بعد الزواج، ويظهر لي أنه سيفعل أي شيء لإرضائي. وعندما يشعر أنني ما زلت على موقفي، يلجأ إلى الخصام، ويقاطعني لأيام، ولا يطيق سماع صوتي. وعندما يلاحظ أنني لم أتأثر من خصومته، يتحول إلى الهجوم، ويتذكر كل جوانبي السلبية. كان يتهمني بفعل أشياء لم أفعلها، ويلقي باللوم عليَّ إن حدثت له مشكلة. أصبح عدائياً ويصب كل غضبه عليَّ دون سبب. لا يتوقف عن انتقاد طريقة كلامي، آرائي، لبسي، شكلي، حتى أنني لم أعد أذكره بوالدتي.

بعد أن ضمن موافقتي، تحول إلى ملاك يسير على الأرض. نسى كل ما اقترفه في حقي، وتجاهل وعوده السابقة وكأنه لم يعد بشيء. قال إن ما يفعله يصب في مصلحتي، وبأنني أجبرته على تغيير أسلوب تعامله تجاهي. بل أنه عاتبني لأنني أضعت كل هذا الوقت، ثم ادعى أنه أنقذني من نفسي. لم أتوقع يوماً أن يعاملني أخي بتلك الطريقة. كنت أرى أسلوبه الجاف ومزاجه المتقلب وأنانيته المقيتة، لكنني كنت أعتقد أنها أشياء طبيعية. ثم كيف لي أن أتوقع أن يعاملني أقرب الناس لي بتلك القسوة.

كنت تحت سيطرة شخص أناني مهووس بالتحكم طيلة الوقت. صحيح أنني اكتشفت الأمر بعد ضياع العمر، لكن التجربة صنعت مني شخصاً قوياً. الآن وبعد أن أصبحت على دراية كاملة بالأساليب النرجسية، أنظر إلى الوراء، وأشاهد كل المواقف تمر من أمامي، وأدرك أن أخي النرجسي سرق مني حياتي. ولو كنت أعرف أنه يتلاعب بي، ربما كان وضعي مختلفاً الآن، لكن قدر الله وما شاء فعل.

قضيت ٢٩ عاماً من عمري لم أتمكن فيها من تحقيق أحلامي رغم توافر الظروف.
حُرمت من التعليم الجامعي.
لم أحصل على حقوقي كاملةً من ورث أبي.
أصبحت شخصية ضعيفة وتائهة.
عانيت من نوبات اكتئاب حادة وأرق.

لدي طفلان. وأعيش في منزل زوجي. ومع أنني قطعت شوطاً كبيراً في التصالح مع نفسي وتجاوز الماضي، إلا أنني ما زلت أشعر بالحسرة والظلم أحياناً.
انتقلنا للعيش في مدينة أخرى، ونادراً ما أتحدث مع أخي.
سعيدةٌ بأبنائي، ولولاهما لما تمكنت من التعافي.