كيف تعيش مع شخص نرجسي؟ دليل شامل للتأقلم
نصائح مقدمة من عالمة النفس الدكتورة “إلينور غرينبيرغ” لتعيش مع شخص نرجسي بسلام
كثيرًا ما يُطرح عليّ أسئلة من قبيل: أنا أعيش مع شخص نرجسي، ولا أرغب في الابتعاد عنه. ما الذي أحتاج إلى معرفته لأجعل هذه العلاقة جيدة قدر الإمكان؟ يعلم معظم الأشخاص الذين يطرحون عليّ هذا السؤال أن النصيحة المعتادة التي أقدمها لهم هي “الرحيل”. ومع ذلك، يتخذ بعضهم قراراً بإعطاء العلاقة فرصة أخرى. قد يعود السبب إلى وجود مشاعر حب يصعب تجاهلها أو أطفال أو ربما تمنعهم معتقداتهم الدينية من ترك شريك حياتهم، وتشجعهم على بذل كل الجهود الممكنة لإنقاذ العلاقة.
كتبت هذه المقالة خصيصًا للأشخاص الذين يعشون مع شخص نرجسي ولا يرغبون في الرحيل قبل استنفاد جميع المحاولات. أهدف إلى تزويدهم بأساسيات تمكنهم من الصمود، وفهم حقيقة الواقع الذي يواجهونه.
ملاحظة: أنا أستخدم مصطلح “نرجسي” هنا كطريقة مختصرة لوصف الأشخاص الذين تبنوا سلوكيات نرجسية بسبب ظروفهم العائلية في مرحلة الطفولة. لا أقصد عدم الاحترام. فكلمة “النرجسية” تصف نمطًا من التفكير والتصرف، وليس الأشخاص.
إذا كنت في علاقة مع شخص نرجسي، فستصبح حياتك أكثر راحة إذا تعرفت على ثلاثة أشياء أساسية:
– ماذا يعني أن تعيش مع شخص نرجسي؟
– ما هي الأشياء الواقعية وغير الواقعية؟
– ما هي الحدود التي يجب وضعها والدفاع عنها؟
أولاً: ماذا يعني أن تعيش مع شخص نرجسي؟
هوس النرجسي بتعزيز احترام الذات.
يُعد تعزيز احترام الذات الهدف الرئيسي في حياة معظم الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية النرجسية، أو التكيفات النرجسية، كما أفضل تسميتها. يمكن تصور النرجسية على أنها اضطراب في تنظيم احترام الذات، حيث يشعر الشخص النرجسي دائمًا بعدم الأمان بشأن مكانته الإجتماعية. قد يبدو واثقاً جداً من نفسه، إلا أن هناك دائمًا شكوك خلف تلك الثقة.
هذا يعني أن احترام الذات بالنسبة إلى الشخص النرجسي أهم منك بكثير. وعندما ينخفض هذا الاحترام، يكون أمام خيارين فقط للتعامل مع نفسه:
الأول: الدخول في حالة اكتئاب قائمة على الشعور بالعار وكراهية الذات.
الثاني: أن يصبح متعاليٍ، ويصر على أنه مميز ومثالي وقادر على فعل أي شيء – مع التقليل من قيمة الآخرين، واعتبارهم أدنى منزلة منه.
عادةً ما يلجأ إلى الخيار الثاني. وبما أنك تعيش مع شخص نرجسي ومتواجد بقربه باستمرار، فمن المرجح أن يقلل من شأنك مرة تلو الأخرى ليشعر بالأهمية أكثر. وكما قالت لي امرأة ذات مرة: “عندما يشعر النرجسي بأنه سمين، يتذمر من وزنك”.
لمعرفة ما يدور في ذهن النرجسي ونظرته للآخرين، إقرأ 9 حقائق صادمة ستُغيّر نظرتك عن النرجسية
عدم إحساس النرجسي بمشاعر الآخرين.
انعدام الإحساس بمشاعر الآخرين لدى النرجسي، يعني أنه لا يشعر بالأسف عندما يؤذيك. قد لا يلاحظ رد فعلك من الأساس، وإذا لاحظه، فمن المستبعد جداً أن يهتم. عندما تشتكي من قلة اهتمامه، سيتجنب تحمل المسؤولية وسيرد عليك بكل برود قائلاً: “أنت حساس جداً”. وإذا لم يتمكن من التملص منك، سيلقى عليك باللوم ويقول لك: “لو لم تكن غبيًا جدًا، لما اضطررت إلى تصويبك دائمًا”.
طالما أنك تعيش مع شخص نرجسي ومتواجدُ بالقرب منه، فمن المحتمل جدًا أن يقوم بجرح مشاعرك بشكل متكرر، سواء بقصد أو دون قصد. وفي هذه الحالة، يجب أن تكون مستعدًا لمواجهة جميع الاحتمالات، لأن هذا أمر لا مفر منه، ولا يمكن تجنبه.
افتقار النرجسي إلى رؤية نفسه والآخرين بواقعية
يعاني الشخص النرجسي من ضعف فيما يُسمى بــ”العلاقات الموضوعية الكاملة”، وهي القدرة على رؤية صفات الناس السيئة والجيدة في الوقت نفسه، وتقبلها جميعاً. عادةً ما تتطور هذه القدرة في مرحلة الطفولة المبكرة من خلال تقليدك لوالديك، خصوصاً عندما يرونك بشكل واقعي ويتقبلونك ويحبونك كما أنت، ممهما كانت عيوبك. يمكن اكتساب هذه القدرة في وقت لاحق من العمر إذا كان الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسية لديه الدافع الكافي، ويتلقى العلاج النفسي المناسب.
بسبب افتقار النرجسي لهذه النوع من العلاقات، فهو يتأرجح بين وجهتي نظر متطرفتين عن نفسه وعن الآخرين:
الأولى: يرى نفسه والآخرين كأشخاص مميزين ومثاليين، وقادرين على فعل أي شيء (كل شيء جيد).
الثانية: يرى نفسه والآخرين كأشخاص معدومي القيمة، وفاشلين ومليئين بالعيوب (كل شيء سيئ).
بالنسبة إليك، وانت تعيش مع شخص نرجسي، فهذا يعني أنه لا يستطيع رؤيتك بطريقة واقعية وثابتة. فأنت أيضًا إما شخص “مميز” أو “لا قيمة لك”. يتنقل بسرعة بين هاتين النظرتين اعتمادًا على مشاعره تجاهك في اللحظة التي يراك فيها.
لا يتعلق الأمر بك، بل بطبيعة بالنرجسي
في بداية العلاقة، من المرجح أن يرى فيك النرجسي شخصًا مثاليًا لا تشوبه شائبة (كل شيء جيد). ولكن مع مرور الوقت، ومع تعمق علاقتك به، يبدأ برؤية عيوبك، وهي عيوب طبيعية نمتلكها جميعاً. عندما يركز على هذه العيوب، ينتقل إلى مقارنة الفرق بينك وبين الصورة المثالية التي صنعها لك في مخيلته. حينها، تتغير نظرته عنك، ويبدأ في رؤيتك كشخص معدوم القيمة وخطأ لا يمكن إصلاحه (كل شيء سيئ).
إحساس النرجسي بالسعادة مؤقت
افتقار الشخص النرجسي لمفهوم “العلاقات الموضوعية الكاملة” يؤثر في العلاقة بطريقة مستمرة، مما يجعلها عرضة للتغيير المفاجئ من لحظة إلى أخرى. لذلك، تكون لحظات السعادة بين الطرفين مؤقتة وهشة، وتتقلب بصورة غير متوقعة. يعود السبب في ذلك إلى أن الشخص النرجسي، شديد الحساسية، وغير قادر على الحفاظ على صورة إيجابية مستقرة عنك عندما يشعر بالغضب أو الأذى أو خيبة الأمل أو الإحباط بسببك.
النرجسي لا يحافظ على نظرة ثابتة تجاهك.
هذا يعني أنه في اللحظة التي يشعر فيها النرجسي بشيء سلبي تجاهك، فإن الاتصال الإيجابي بينكما يتعطل فجأة. يتلاشى كل شيء إيجابي في علاقتكما، وكل الأشياء الجميلة التي قمت بها من أجله تغيب عن وعيه. قد تجد نفسك في حيرة من أمرك، متسائلاً: في لحظة ما، يكون شخصاً ودوداً، وتشعران معاً بسعادة كبيرة، وفي اللحظة التالية يكرهك دون أسباب واضحة.
تكمن الإجابة على هذا التساؤل، في أن عدم قدرة النرجسي في الحفاظ على نظرة ثابتة أو ما يُعرف بــ “الثبات الموضوعي”، يؤدي إلى انعدام الاستمرارية في العلاقات.
رغم أنك تعيش مع شخص نرجسي، إلا أنه غير قادر على رؤية صفاتك وسلوكياتك الإيجابية والسلبية في نفس الوقت، وتقبلك كما أنت، فإنه لن يفعل سوى أمرين: إما أن يحبك أو أن يكرهك. يحدث هذا التحول المفاجئ بناءً على الجانب أو السلوكيات التي تظهرها له في تلك اللحظة، هل هو جانبك الإيجابي أم السلبي. يمكنك تخيل الأمر مثل الكاميرا التي لا تلتقط إلا ما هو أمامها مباشرة في اللحظة الحالية، لا وجود للماضي.
مثال: سارة وأحمد يشاهدان التلفاز
في ليلة ما، جلس أحمد وسارة على الأريكة يشاهدان مسلسلهما المفضل، يحتضنان بعضهما، ويبدو أنهما سعيدان ومنسجمان. فجأة، نهضت سارة وذهبت إلى المطبخ لتحضر شيئاً. لكن أحمد انزعج جداً من مغادرتها، وبدأ صوته الداخلي يتحدث: “كيف تجرأت على مقاطعة مشاهدة التلفزيون هكذا؟ لا يمكن أن تكون مهتمة بمشاعري، إذا كانت تنهض وتغادر بهذه البساطة!” ازداد غضب أحمد كلما فكر في الأمر، وعندما عادت سارة، كان قد وصل إلى أقصى درجات الغضب وأراد معاقبتها. في هذه اللحظة، اختفت كل المشاعر الجيدة التي كانت تعم الأجواء.
عادت سارة وهي لا تزال تحمل كل المشاعر الدافئة تجاه أحمد، وجلست بجانبه مرة أخرى، متوقعةً أن تستأنف الأمسية الجميلة. إلا أن أحمد استقبلها غاضباً: “كيف تجرئين على المغادرة هكذا! أنت لا تراعين مشاعري على الإطلاق. ألا تبالين بما أشعر؟ ” أدى هذا الموقف إلى تعكير الأجواء، ولم تسر السهرة على ما يرام. وبحلول وقت النوم لم يعودا يتحدثان مع بعضهما.
إذا كنت تعيش مع شخص نرجسي، فأنت بحاجة إلى الاستعداد لمواقف كهذه لأنه لا مفر منها. نظرًا لاختلافك عن شريكك النرجسي في طبيعتك ومستوى حساسيتك، فقد يؤدي أدنى تعليق أو سلوك قد تراه بسيطًا أو بريئًا، إلى تحريك مشاعر عدم الأمان الكامنة لديه فجأة. في لحظات كهذه، تختفي المشاعر الجميلة، ويبدأ في كراهيتك والتقليل من شأنك بانفعال. يمكن أن يسبب لك هذا صدمة كبيرة، حيث تجد نفسك فجأة في خضم مشادات كلامية، تدافع فيها عن نفسك ضد اتهامات باطلة. وهذا يقودنا مباشرة إلى النقطة المهمة التالية.
ثانياً: تحديد الأشياء الواقعية وغير الواقعية؟
لا يستطيع النرجسي تقبل اللوم
نظرًا لأن الشخص النرجسي يرى الأمور إما من منظور مثالي أو عدمي، فإنه نادرًا ما يكون على استعداد لتحمل المسؤولية عن الأخطاء التي يرتكبها. بالنسبة له، قبول اللوم يُعد اعترافًا بالخطأ ويقلل من قيمته. إذا فعل ذلك، سينخفض مستوى احترامه لذاته، وسيصبح عرضة لكراهية الذات. وفي نفس الوقت، يتوقع، دون وعي منه، أنك ستحتقره وستجعله يشعر بالسوء أكثر.
مثال: ما بعد المشاجرة
في صباح اليوم التالي، استيقظ أحمد، وهو في مزاج أفضل، وذهب ليعانق سارة. لكنه صُدم عندما رفضت سارة محاولته للتقرب منها ومعانقتها. تساءل أحمد في نفسه: “ما بها؟” ونسي تمامًا شجار الليلة الماضية لأنه الآن يشعر بالارتياح. سرعان ما ألقت سارة باللوم عليه لأنه من بدأ المشاجرة التي أفسدت سهرتهما، وأرادته أن يتحمل المسؤولية. لكن لأن أحمد شخص نرجسي، فسر كلامها على أنه رغبة في إهانته، وحمّلها المسؤولية عن المشكلة قائلاً: “لو أنك لم تقرري فجأة النهوض والمغادرة، لكان كل شيء على ما يرام.” وبهذا عادا إلى المشاجرة مرة أخرى.
النرجسي لا يعتذر
يرى النرجسي أن الاعتراف بالخطأ وتحمّل اللوم إهانة كبيرة له، ونادرًا ما يقدم اعتذارًا، حتى لو كان على دراية تامة بأنه مخطئ. لذالك، طالما وأنك تعيش مع شخص نرجسي، من غير المنطقي أن تنتظر أو تتوقع منه أن يعتذر.
تلميحات المصالحة
غالبًا ما يلجأ النرجسي بعد الخلافات إلى تقديم إيماءات لطيفة تشبه الاعتذار، مثل إهدائك شيئًا أو السماح لك باختيار مكان رومانسي لتناول العشاء. إذا كنت تسعى لتحسين مسار العلاقة، فمن الأفضل قبول هذه التلميحات دون الإصرار عليه لتقديم اعتذار صريح.
مثال: هدية أحمد إلى سارة
بطريقة ما، أدرك أحمد أنه كان جزءًا من المشكلة، وأنه بالغ في رد فعله تجاه تصرف سارة. لذلك قرر أن يشتري لها سوارًا ذهبيًا كان يعلم أنه يعجبها. وفي يوم لاحق، خلال تناولهم الغداء، أخرج العلبة وقال لها: “تفضلي، لقد رأيت هذا وفكرت بكِ.” سعدت سارة بالهدية كثيرًا، واحتضنت أحمد ثم شكرته دون أن تذكر ما حدث بينهما. فقد أدركت أن الهدية كانت تعبيرًا عن اعتذار غير صريح، وأن الوقت قد حان لتجاوز الخلاف.
بالإضافة إلى أنها فكرت بشيء اشعرها بالراحة، لكنها احتفظت به لنفسها. قالت في داخلها: “أعتقد أنني سأحصل على الكثير من المجوهرات، لكن القليل من الاعتذارات. سأذكر نفسي بهذا في المرة القادمة عندما يبدأ شجارنا.”.
اختر معاركك بعناية
إذا كنت تعيش مع شخص نرجسي، من المهم أن تتعلم تجاوز الإهانات العابرة وغير المقصودة. اختر معاركك بعناية؛ لأن مواجهة كل إساءة صغيرة صادرة من النرجسي، تؤدي إلى تدهور العلاقة وجعلها ساحة صراع مستمر. بدلاً من ذلك، وفر طاقتك لمواجهة الإساءات الجدية والمتعمدة، خاصة عندما يتجاوز حدودًا لا يمكن تجاهلها. كن مستعدًا للدفاع عن تلك الحدود بحزم، حتى لو تطلب منك إنهاء العلاقة والإبتعاد. فالنرجسي غالبًا سيقول أو يفعل أي شيء يخطر بباله إذا لم تتصدي له.
النرجسي يرفض مناقشة الماضي
بعد مشاجرتك مع النرجسي، قد تشعر برغبة في مناقشة ما حدث لتوضيح سوء الفهم وتحسين الأمور مستقبلاً. لكن النرجسي عادةً يرفض مثل هذه النقاشات لأنها تذكره بأخطائه. لتجنب الوقوع في مواقف مشابهة، من الأفضل استخدام ضمير الجمع “نحن” عند الحديث، والتركيز على الرغبة المشتركة في تجاوز الخلافات. مثالاً، يمكنك أن تقول: “أعلم أننا نحب بعضنا، ونريد أن تسير علاقتنا بشكل جيد”. بهذه الطريقة، ستجد أن التواصل أصبح أكثر سلاسة وأقل صدامًا.
تعرف على أكبر مخاوف النرجسي
ثالثاً: وضع الحدود والدفاع عنها
النرجسي لا يحترم أو حتى يلاحظ حدود الآخرين
أن تعيش مع شخص نرجسي هذا يعني أن عليك تحديد السلوكيات السلبية التي يمارسها عليك، وتصنيفها إلى سلوكيات يمكن التغاضي عنها، وأخرى لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال. إذا تُرك النرجسي دون قيود، فقد يتجاوز الحدود التي تعد أساسية وبديهية، ويحترمها الآخرون تلقائياً.
على سبيل المثال، لا يجد العديد من النرجسيين مشكلة في انتقاد ذوقك في ملابسك، أو أقاربك، أو حتى معتقداتك وآرائك. وفي أثناء الجدال، قد يستخدمون ألفاظًا جارحة، ويقولون أشياء قاسية ومهينة، ثم يتصرفون بعد ذلك كما لو أن شيئًا لم يحدث.
مثال: سعاد وزياد والخيانة
وجد زياد دليلاً يثبت أن خطيبته سعاد أعادت التواصل مع حبيبها السابق في أثناء سفره. وعندما واجهها، ردت عليه بالقول: “أنت شخص قبيح وممل. أنا أقدم لك معروفًا بقضاء الوقت معك والتحدث إليك. يجب أن تكون ممتنًا وتصمت! “
لم يتوقع زياد هذا الرد المهين، وقرر بهدوء أن يضع حدًا للعلاقة. أخبرها أنها تجاوزت الحدود، ولا يرغب في رؤيتها مرة أخرى. وعندما أدركت سعاد جديته، توسلت إليه لكي يمنحها فرصة أخرى.
كانت سعاد تحب زياد فعلاً، ولم تكن تقصد إهانته، بل كانت تكرر معه، نفس الأسلوب الذي كانت والدتها تستخدمه مع والدها. لم يخطر ببالها أنها تتجاوز الحدود، ولم تتوقع أبدًا أن زياد سيأخذ حديثها بهذه الجدية. فقد كانت ترى الكلمات مجرد وسيلة لمعاقبته على مواجهته لها بالخيانة.
لا يبالي النرجسي بإهانة الآخرين علانية
قد تتراوح إهانات النرجسي في العلن بين إصراره على مغادرة المطعم وهو غاضب لمجرد شعوره أن الخدمة بطيئة بشكل مهين، حتى لو كنت مرتاحًا بالبقاء، وبين الصراخ في وجهك أمام الناس في الشارع، وتركك بكل برود.
يجب عليك أن تقرر في كل الأحوال ما إذا كان هذا السلوك مقبولاً أم لا. إذا كان مقبولاً، عليك أن تسأل نفسك إلى أي مدى يمكنك تحمله، لأن النرجسي إذا قام بذلك مرة واحدة، فإنه على الأرجح سيفعلها ألف مرة. هذا السلوك هو جزء من طريقته في التعامل مع المواقف التي يعتبرها مهينة لكبريائه.
مثال: ميادة وطارق في فترة التعارف
كانت ميادة فتاة جميلة، وتعرف جيدًا أنها جميلة. لكنها كانت أيضًا نرجسية، تشعر بأنها تستحق أن تفعل وتقول أي شيء في أي وقت. وكانت تعلم أن معظم الرجال يتمنون أن تكون من نصيبهم.
عندما خُطبت على طارق، دعاها لأول مرة لتناول العشاء في أحد المطاعم، بهدف التعرف إلى بعضهما أكثر. خلال العشاء، شعرت ميادة بالإهانة بسبب شيء قاله طارق، فنهضت فجأة، ثم غادرت وتركته جالسًا وحده في المطعم. توقعت ميادة أنه سيجري خلفها، ويعتذر ويتوسل إليها لكي تعود.
بدلاً من ذلك، بقي طارق جالسًا وطلب مشروبًا، ثم أرسل رسالة نصية إليها تقول: “لم أقصد إهانتكِ. دعينا نبدأ من جديد. لماذا لا تعودين لنستكمل عشاءنا، ونرى إلى أين سينتهي بنا الأمر؟”
قبلت ميادة اعتذاره، وعادت لتناول العشاء (في الواقع لم تبتعد كثيرًا)، وأمضيا أمسية لطيفة. تظاهرا بأن شيئًا لم يحدث واستمرا في الحديث حتى وقت متأخر.
حصل طارق على احترام ميادة لأنه لم يركض وراءها، وللطريقة الهادئة والذكية التي تعامل بها مع سلوكها السيئ. بالنسبة إلى طارق، كانت الحدود واضحة؛ فعل ما كان مستعدًا للقيام به. لو لم تعد ميادة أو استمرت في انتقاده، لكان قد أنهى العلاقة في نفس اللحظة.
تطور الإساءة اللفظية إلى إساءة جسدية
إذا لم تضع حدودًا واضحة للإساءة اللفظية، فقد يتطور سلوك النرجسي إلى الإيذاء الجسدي. إذا لم تكن من محبي الأذى والمستمتعين بالضرب، أنصحك أن تتخذ موقفًا حازمًا منذ البداية، خصوصاً وأنك ستعيش مع شخص نرجسي لفترة طويلة. قد تبدأ الإساءة بشكل غير ضار نسبيًا، لكنها ستتفاقم بسرعة إذا سمحت لأي شكل من أشكال الأذى الجسدي بالاستمرار.
مثال: نرمين وحسام على العشاء
بعد عام من زواج نرمين وحسام، تطور سلوك حسام من مجرد الصراخ عليها وقت الغضب إلى الإمساك بذراعها بقوة. أقنعت نرمين نفسها أنه ربما بالغ قليلاً لكنه لم يؤذها، فتجاهلت ما حدث.
في إحدى المناسبات، كانا معزومين عند أقاربهما المتزوجين حديثًا، وخلال جلوسهما على طاولة الطعام، انزعج حسام من شيء قالته نرمين، فركلها بقوة من تحت الطاولة. صرخت نرمين من الألم وطلبت منه التوقف. شعر حسام بالحرج من ردة فعلها، واكتفى بالتكشير طوال الوقت وتجنب الحديث معها. كانت الأجواء متوترة، مما اضطر نرمين والزوج الآخر للحديث ومحاولة التظاهر بأن كل شيء على ما يرام.
عندما عادا إلى المنزل، بدأ حسام بالصراخ عليها قائلاً: “لا تفعلي ذلك بي مرة أخرى أمام الناس، وإلا سأؤذيكِ.” أدركت نرمين أخيرًا أن هناك تجاوزًا حقيقيًا للحدود، وأن عليها اتخاذ موقف حازم، وإلا سيصبح زواجها جحيمًا لا يطاق.
قالت له: “حسام، أنا أحبك وأريد أن ينجح زواجنا. يجب أن تعلم أنه من غير المقبول أبدًا أن تمد يدك عليّ مرة أخرى. لا يهمني مدى غضبك، فأنا دائمًا على استعداد للنقاش معك وسأعتذر إذا كنت مخطئة.”
حاول حسام تقديم الأعذار وإلقاء اللوم عليها، لكن نرمين أصرت حتى حصلت على تأكيد منه بأنه لن يمد يده مرة أخرى أو يهددها بالعنف الجسدي. أدرك حسام أن نرمين جادة، وإذا أراد تجنب طلبها للطلاق، فعليه أن يكون أكثر حذرًا في التعامل معها.
لكن لأن حسام نرجسي، “نسي” تعهده مرة أو مرتين، واضطرت نرمين لتذكيره بالحدود. أبقت نرمين الحدود واضحة وصريحة، وقبل حسام في النهاية أن يلتزم بها.
إطلع على:
– 7 طرق لوضع حدود صارمة مع النرجسيين
– 10 أشياء يجب تجنبها عند التعامل مع نرجسي
– هل يمكن أن يحظى النرجسي بزواج سعيد؟
رابعاً: الخلاصة
أن تعيش مع شخص نرجسي ليس بالأمر السهل، لكن الأمور قد تصبح أكثر سلاسة إذا قمت بتثقيف نفسك حول ما يمكنك توقعه، وتعلمت بعض النصائح حول كيفية التعامل مع سلوكياته المسيئة، ووضعت حدودًا واضحة وكنت مستعدًا للدفاع عنها دائمًا. أعتقد أننا نتفق على ضرورة أن نكون أكثر لطفًا مع بعضنا في المستقبل، وأن نكون أكثر حذرًا في اختيار كلماتنا.
ترجمة وإعداد: أسامة ناشر
مقال منشور على موقع “سيكولوجي تودي”، ترجم إلى اللغة العربية، ويُنشر حصريًا على منصة نرجسي بإذن خاص من الدكتورة إلينور غرينبيرغ، مؤلفة كتاب “التكيفات الحدية، والنرجسية، والانطوائية: السعي وراء الحب والإعجاب والأمان”
Elinor Greenberg Ph.D., The Survival Guide for Living With a Narcissist, Understanding Narcissism, Psychology Today, https://www.psychologytoday.com/us/blog/understanding-narcissism/201710/the-survival-guide-living-narcissist
Dr. Greenberg is the author of the book: Borderline, Narcissistic, and Schizoid Adaptations: The Pursuit of Love, Admiration, and Safety.”