قصص النرجسي
جميــع المقــــالات

الـرئيسيــــــــة
تواصل معنا
مــن نحــــــــن
تطوع للتوعية بالنرجسية
نموذج طلب تطوع

قصص النرجسي
جميــع المقــــالات

الـرئيسيــــــــة
تواصل معنا
مــن نحــــــــن
تطوع للتوعية بالنرجسية
نموذج طلب تطوع

تأثير الأم النرجسية على أبنائها وبناتها


كيف تؤذي الأم النرجسية أبنائها عندما تستبدل الحب بجوعها العاطفي؟

ملاحظة: يتناول هذا المقال تأثير الأم النرجسية على أبنائها وبناتها، وهو ينطبق أيضًا على الأب النرجسي.

يُعد فيلم نادي الحظ السعيد “The Joy Luck Club”، المقتبس من رواية إيمي تان، أحد أفضل الأمثلة التي تُبرز تأثير الأم النرجسية. في الفيلم، تتذكر امرأة ماضيها وتروي من خلال التعليق الصوتي قصتها عندما كانت طفلة معجزة في لعبة الشطرنج. وفي أثناء عرض أحد مشاهد انتصاراتها المبكرة، تقول: “حتى في ذلك العمر، كنت أعلم أن لدي موهبة فريدة، هذه القوة، هذا الإيمان بنفسي… كان ذلك الجزء الوحيد من حياتي الذي شعرت فيه بثقة كاملة بنفسي حتى اليوم”.

في المشهد التالي من الفيلم، نرى الأم تمشي مع ابنتها الصغيرة في الحي، وهي تحمل في يدها عددًا من مجلة “لايف” الشهيرة، مطبوع على غلافها صورة ابنتها بطلة الشطرنج. تُوقف الأم كل من تصادفه في الشارع، لتعرض عليه غلاف المجلة بتفاخر، وتقدم ابنتها وكأنها من صنعت تلك الموهبة. تشعر الفتاة بالإهانة من سلوك والدتها، فتغضب وتنفجر في وجهها قائلةً: “لماذا يجب أن تستخدِميني للتباهي؟ إذا كنتِ تريدين أن تتفاخري، فلماذا لا تتعلمين لعب الشطرنج؟”

بعد أسابيع، تحاول الفتاة جاهدة استعادة رضا والدتها، فتخبرها بأنها قررت العودة للعب الشطرنج. لكن الأم، دون أن تنظر إليها، ترد بكل برود أن الأمر لن يكون سهلاً هذه المرة. يحطم هذا التعليق القاسي ثقة الطفلة بنفسها. وكما توقعت والدتها، تتوقف عن تحقيق الفوز في المنافسات التي تخوضها. يختتم تعليقها الصوتي في الفيلم بالقول: “تلك القوة التي كنت أمتلكها، ذلك الإيمان بنفسي… شعرت بالفعل أنه بدأ يتلاشى. كل أسرار قوتي التي كنت أراها… لم تعد موجودة. ما يمكنني رؤيته الآن.. فقط أخطائي ونقاط ضعفي.”

يكمن تأثير الأم النرجسية في أنها تتظاهر بتقديم الإهتمام لأبنائها وبناتها، ولكنه في الحقيقية يكون شبه منعدم. في الفيلم، عندما تعرّض غرور الأم للإهانة، فقدت الإهتمام بموهبة ابنتها فجأة. لم تكن الأم تدعم لعب الشطرنج لأن ذلك يشعر ابنتها بالرضا أو يعزز ثقتها، بل لأنها كانت ترى في نجاح ابنتها فرصة للتفاخر، وإبراز إنجازات لم تكن لها أصلاً.

غالبًا ما يرتبط هوس أو تركيز الأم النرجسية على الأبناء باحتياجاتها العاطفية. فهي تدعم “عظمة” ابنائها وتشجع مواهبهم بحجة الحب والتضحية من أجل مستقبلهم. لكن في الحقيقة، يكون العكس غالبًا هو الصحيح. فالدعم الذي تقدمه الأم النرجسية لأبنائها، يمثل في الواقع ضغطاً كبيراً عليهم، والحب الذي تدّعي أنه من أجلهم ليس سوى جوع عاطفيٍّ يستنزف طاقتهم.

إقرأ أسباب النرجسية وتطورها: أساليب التربية عند الوالدين

في مقابلتي مع عالمة النفس الدكتورة بات لوف لموقع سَايك ألايف “psycalive.org”، والحديث عن تأثير الأم النرجسية، أشارت بحكمة إلى أن أفضل ما يمكن أن تفعله الأم لأبنائها، هو تلبية احتياجاتها الشخصية كفرد بالغ من خلال التفاعل مع أشخاص بالغين. بعبارة أخرى، إذا تمكنت الأم من تلبية احتياجاتها العاطفية والاجتماعية والشخصية من خلال التفاعل مع شريك بالغ، ستكون في وضع أفضل يسمح لها بتوفير الرعاية المناسبة لأبنائها. لذلك، عندما تتعامل مع أطفالنا من المهم جدًا أن نسأل أنفسنا باستمرار: هل تهدف أفعالنا إلى تلبية احتياجاتهم، أم أننا نستخدمهم لتلبية احتياجاتنا الشخصية؟ هل العناق الذي نقدمه لهم يكون من أجل إشعارهم بالأمان، أم هو محاولة لإشباع حاجتنا للرضا؟ هل نهتم بتحصيلهم الدراسي لأننا نريد الأفضل لمستقبلهم، أم لأننا نخشى فشلنا كآباء؟

في كثير من الأحيان، نستخدم أطفالنا كوسيلة لتعويض أهدافنا التي لم نحققها أو للتغلب على العوائق التي أخفقنا في تجاوزها. عندما لا نكون راضين عن حياتنا، قد نفقد القدرة على التمييز بين احتياجاتنا واحتياجات أطفالنا، وننسى في لحظة الانشغال بهم أنّ لهم أحلامهم ومساراتهم الخاصة. بتصرفاتنا الأنانية، قد نفقد رؤيتنا المتوازنة للحياة وأدوارنا كآباء، ونحاول تحقيق أحلامنا ورغباتنا من خلالهم.

لا يقتصر تأثير الأم النرجسية على الضغوط التي تمارسها على الأبناء من خلال صرامتها وصعوبة إرضائها، بل يمتد ليخنق أحلام الأبناء عبر وسيلة قد تبدو بريئة في ظاهرها، وهي الثناء المفرط. تغمر الأم النرجسية أبنائها بالمديح المبالغ فيه، وتبني صورة مثالية لطفل خارق لا عيوب فيه، تمامًا كما يود أن يرى نفسه. تظن الأم أنها تساعدهم على تحقيق النضج والثقة بالنفس، لكن النتيجة غالبًا ما تكون عكسية. عندما نمدح طفلًا بصفات لا يمتلكها أو نبالغ في تقييم مهاراته، فإننا نحمله في الحقيقة عبئًا ثقيلًا، وهو شعوره بـ “عظمة” زائفة. وبذلك، نزرع فيه الخوف من الفشل والإحباط لعدم تحقيق المثالية التي فرضناها عليه. فينشأ محملاً بضغوط لإرضائنا والسعي لإسعادنا، بدلاً من أن ينمو بشكل طبيعي ليصل إلى إمكاناته الحقيقية.

يكبر هؤلاء الأبناء، وهم يشعرون بفراغ عاطفي يتجلى على شكل ناقد داخلي لا يرحم، صوتٌ خافتٌ في أعماقهم يردد باستمرار: “أنت لست جيداً بما يكفي”، “يجب أن تكون الأفضل”، ” أنت لا تساوي شيئاً”. يتشكل هذا الصوت القاسي نتيجة تأثير الأم النرجسية على أبنائها وبناتها في مرحلة الطفولة، حيث تعاملهم وكأنهم مجرد أداة لإبراز صورتها. أي إنجاز يحققونه يُنظر إليه فقط من زاوية انعكاسه عليها. لا يُحتفى به لذاته، ولا يُمنح لصاحبه الحقيقي. هذا الافتقار إلى التقدير يزرع بذور انعدام الثقة في نفوس الأبناء، ويجعلهم عاجزين عن تكوين صورة واضحة عن ذواتهم الحقيقية، ويظلون تائهين في بحر توقعات أمهاتهم التي لم يتحقق منها شيء.

إقرأ:
ثلاثة عوامل تُنبئ بتحول الطفل إلى شخص نرجسي
الأعراض النفسية لدى أبناء النرجسيين والمدمنيين

روت لي امرأة قابلتها مؤخرًا كيف كانت والدتها تقارنها دائماً بفتيات أخريات. كانت تقول لها أشياء مثل: “أنتِ أجمل بكثير” أو “هي أفضل منك في هذا، لكنكِ أفضل منها في ذلك.” أدى ذلك إلى تطور نظام تصنيف داخلي لدى الفتاة. على مدار حياتها، أصبحت تقارن نفسها بالآخرين دون أن تدرك ذلك. دفعها شعور والدتها التنافسي إلى إجراء هذه المقارنات باستمرار. حتى بعدما كبرت، ظل صوت أمها محفورًا في ذهنها، مما جعلها تقلل أو ترفع من قيمة نفسها تلقائيًا في كل تفاعل.

تأثير الأم النرجسية ليس بالأمر اليسير، فكم واحداً منّا نشأ ليجد نفسه يكرر سلوكيات عاشها في طفولته، أو يعيش حياة تشبه رغبات وطموحات والديه؟ قد نكون غير واعين لهذا في البداية، ولكن كآباء، لدينا القدرة على كسر هذه السلسلة من خلال تربية أطفال أحرار قادرين على رسم مساراتهم الخاصة. علينا أن نتخلى عن إسقاط أحلامنا وتوقعاتنا عليهم، وأن نبدأ برؤيتهم كما هم، والاستماع باهتمام حقيقي لما يحبونه ويحلمون به.

بدلاً من المديح المبالغ فيه الذي يركز على الإنجازات أو المقارنات مثل: “أنت الأفضل! رسوماتك رائعة!”، دعونا نحتفي بصفاتهم الحقيقية ونقول: “أحببت الألوان التي استخدمتها”، “يبدو أنك استمتعت برسم هذه اللوحة.” بهذه الطريقة، نساعدهم على بناء ثقة حقيقية بأنفسهم بعيدًا عن ضغوط “المثالية” الزائفة. فكر في التأثير الذي ستتركه كلماتك وأفعالك على أطفالك. هل تريد أن يكبروا ويعملوا بجد من أجل إنجازاتهم، أم أن يستسلموا عندما يدركون بأنهم لم يصلوا إلى المثالية التي تتوقعها منهم؟

في مقابلة حديثة على موقع “سايك ألايف”، عبرت خبيرة اليقظة الذهنية، الدكتورة دونا روكويل، ببلاغة عميقة عندما قالت: “أفضل طريقة لتعليم أطفالنا هي أن نكون مهتمين بهم كأشخاص مستقلين. بدلاً من أن نقول: ‘أريدك أن تكون طبيبًا أو محاميًا أو حتى صانع شموع’، علينا أن نسأل: ‘ما الذي تحبه في الحياة؟ ما الذي يثير اهتمامك؟ ماذا تريد أن تكون؟’ أطفالنا يولدون موهوبين ومميزين بالفطرة، لكننا نقضي على هذه الفطرة عندما نفرض عليهم مسارات حياتهم.”

أهم ما يمكننا فعله كأمهات وآباء هو تلبية احتياجات أطفالنا العاطفية، وحبهم كما هم، ومساعدتهم على النمو ليصبحوا أفرادًا مميزين وكفؤين. يجب أن نركز على شخصياتهم بدلاً من مظهرهم الخارجي. ما هي صفاتهم؟ هل هم طيبون، متعاطفون، صبورون، مرنون؟ عندما نكون قدوة لهم، فنحن نساعدهم على أن يكونوا مستقلين وأكثر ثقة في مواجهة تحديات الحياة. يجب أن نعلمهم أنه لا بأس في الفشل، وأنهم أقوياء بما يكفي للصمود والتغلب على الصعوبات، وتحسين أنفسهم ليصبحوا ما يتطلعون إليه.

إقرأ تأثير الاب النرجسي على الأبناء: 15 سلوكاً ساماً وطرق تجاوزها للتعرف على السلوكيات المسيئة التي تصبح جزءاً من تكوين الأبناء.

ترجمة وإعداد: أسامة ناشر


المصادر

مقال منشور على موقع “سَيْك ألايف”، ترجم إلى اللغة العربية، ويُنشر حصريًا على منصة نرجسي بإذن خاص من عالمة النفس، الدكتورة ليزا فايرستون.

Lisa Firestone, Ph.D., The Dangers of Narcissistic Parents, PsychAlive, https://www.psychalive.org/the-dangers-of-narcissistic-parents/

شارك المنشور لتعم الفائدة!
د. ليزا فايرستون
د. ليزا فايرستون

الدكتورة ليزا فايرستون هي عالمة نفس، ومديرة للأبحاث والتدريب في جمعية جلندون في كاليفورنيا. الدكتورة فايرستون متخصصة في الوقاية من الانتحار والعنف، ووسائل الدفاع النفسية، وديناميكيات العلاقات، ولديها أكثر من 20 عامًا من الخبرة في هذا المجال. حصلت على درجة الدكتوراه في علم النفس السريري من كلية كاليفورنيا لعلم النفس المهني في عام 1991. بالتعاون مع والدها، الدكتور روبرت فايرستون، طورت العديد من أدوات التقييم، بما في ذلك تقييم فايرستون لأفكار التدمير الذاتي وتقييم فايرستون للأفكار العنيفة، والتي ساهمت بشكل كبير في فهم سلوكيات التدمير الذاتي.